فصل: تفسير الآية رقم (62):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: معالم التنزيل المشهور بـ «تفسير البغوي»



.تفسير الآية رقم (62):

{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ (62)}
قوله عز وجل: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَاكَانُوا مَعَهُ} أي: مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، {عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ} يجمعهم من حرب حضرت، أو صلاة أو جمعة أو عيد أو جماعة أو تشاور في أمر نزل، {لَمْ يَذْهَبُوا} يتفرقوا عنه، لم ينصرفوا عما اجتمعوا له من الأمر، {حَتَّى يَسْتَأْذِنُوه} قال المفسرون: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صعد المنبر يوم الجمعة وأراد الرجل أن يخرج من المسجد، لحاجة أو عذر، لم يخرج حتى يقوم بحيال رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث يراه، فيعرف أنه إنما قام يستأذن، فيأذن لمن شاء منهم. قال مجاهد: وإذن الإمام يوم الجمعة أن يشير بيده.
قال أهل العلم: وكذلك كل أمر اجتمع عليه المسلمون مع الإمام لا يخالفونه ولا يرجعون عنه إلا بإذن، وإذا استأذن فللإمام إن شاء أذن له وإن شاء لم يأذن، وهذا إذا لم يكن له سبب يمنعه من المقام، فإن حدث سبب يمنعه من المقام بأن يكون في المسجد فتحيض منهم امرأة، أو يجنب رجل، أو يعرض له مرض، فلا يحتاج إلى الاستئذان. {إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ} أي: أمرهم، {فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ} في الانصراف، معناه إن شئت فأذن وإن شئت فلا تأذن، {وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}.

.تفسير الآية رقم (63):

{لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (63)}
{لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا} قال ابن عباس رضي الله عنهما: يقول احذروا دعاء الرسول عليكم إذا أسخطتموه، فإن دعاءه موجب لنزول البلاء بكم ليس كدعاء غيره وقال مجاهد وقتادة: لا تدعوه باسمه كما يدعو بعضكم بعضًا: يا محمد، يا عبد الله، ولكن فَخِّمُوه وشَرِّفوه، فقولوا: يا نبي الله، يا رسول الله، في لين وتواضع.
{قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ} أي: يخرجون {مِنْكُمْ لِوَاذًا} أي: يستر بعضهم بعضا ويروغ في خيفة، فيذهب واللِّواذ مصدر لاوَذَ يُلاوِذ، مُلاوَذَةً، ولواذًا.
قيل: كان هذا في حفر الخندق، فكان المنافقون ينصرفون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مختفين. قال ابن عباس رضي الله عنهما: {لواذًا} أي: يلوذ بعضهم ببعض، وذلك أن المنافقين كان يثقل عليهم المقام في المسجد يوم الجمعة واستماع خطبة النبي صلى الله عليه وسلم فكانوا يلوذون ببعض أصحابه فيخرجون من المسجد في استتار. ومعنى قوله: {قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ} للتهديد بالمجازاة. {فَلْيَحْذَرِالَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ} أي: أمره و{عن} صلة. وقيل: معناه يعرضون عن أمره وينصرفون عنه بغير إذنه. {أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ} أي لئلا تصيبهم فتنة، قال مجاهد: بلاء في الدنيا، {أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} وجيع في الآخرة. وقيل: عذاب أليم عاجل في الدنيا. ثم عظم نفسه فقال:

.تفسير الآية رقم (64):

{أَلا إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (64)}
{أَلا إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ} ملكًا وعبيدًا، {قَدْ يَعْلَمُ مَاأَنْتُمْ عَلَيْهِ} الإيمان والنفاق أي: يعلم، و{قد} صلة {وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ} يعني: يوم البعث، {فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا} الخير والشر، {وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} أخبرنا أبو سعيد الشريحي، أخبرنا أبو إسحاق الثعلبي، أخبرني الحسين بن محمد بن فنجويه، حدثنا عبد الله بن محمد بن شيبة، حدثنا محمد بن إبراهيم الكرابيسي، حدثنا سليمان بن توبة، حدثنا أبو داود الأنصاري، أخبرنا محمد بن إبراهيم الشامي، حدثنا شعيب بن إسحاق، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تنزلوا النساء الغرف، ولا تعلِّموهن الكتابة، وعلموهن الغزل، وسورة النور».

.سورة الفرقان:

مكية.

.تفسير الآيات (1- 2):

{تَبَارَكَ الَّذِي نزلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا (1) الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا (2)}
{تَبَارَكَ} تفاعل، من البركة. عن ابن عباس: معناه: جاء بكل بركة، دليله قول الحسن: مجيء البركة من قبله. وقال الضحاك: تعظَّم، {الَّذِي نزلَ الْفُرْقَانَ} أي: القرآن، {عَلَى عَبْدِهِ} محمد صلى الله عليه وسلم. {لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا} أي: للجن والإنس. قيل: النذير هو القرآن. وقيل: محمد صلى الله عليه وسلم. {الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ} مما يطلق عليه صفة المخلوق، {فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا} فسواه وهيأه لما يصلح له، لا خلل فيه ولا تفاوت، وقيل: قدَّر لكل شيء تقديرًا من الأجل والرزق، فجرت المقادير على ما خلق.

.تفسير الآيات (3- 6):

{وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَمْلِكُونَ لأنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلا نَفْعًا وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلا حَيَاةً وَلا نُشُورًا (3) وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا (4) وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الأوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلا (5) قُلْ أَنزلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (6)}
قوله عز وجل: {وَاتَّخَذُوا} يعني عبدة الأوثان، {مِنْ دُونِهِ آلِهَةً} يعني: الأصنام، {لا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَمْلِكُونَ لأنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلا نَفْعًا} أي: دفع ضر ولا جلب نفع، {وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلا حَيَاةً} أي: إماتةً وإحياءً، {وَلا نُشُورًا} أي: بعثا بعد الموت. {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا} يعني: المشركين، يعني: النضر بن الحارث وأصحابه، {إِنَّ هَذَا} ما هذا القرآن، {إِلا إِفْكٌ} كذب، {افْتَرَاه} اختلقه محمد صلى الله عليه وسلم، {وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ} قال مجاهد: يعني اليهود. وقال الحسن: هو عبيد بن الخضر الحبشي الكاهن. وقيل: جبر، ويسار، وعداس بن عبيد، كانوا بمكة من أهل الكتاب، فزعم المشركون أن محمدا صلى الله عليه وسلم يأخذ منهم، قال الله تعالى: {فَقَدْ جَاءُوا} يعني قائلي هذه المقالة، {ظُلْمًا وَزُورًا} أي: بظلم وزور. فلما حذف الباء انتصب، يعني جاؤوا شركًا وكذبًا بنسبتهم كلام الله تعالى إلى الإفك والافتراء. {وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الأوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا} يعني النضر بن الحارث كان يقول: إن هذا القرآن ليس من الله وإنما هو مما سَّطره الأولون مثل حديث رستم واسفنديار {اكتتبها}: انتسخها محمد من جبر، ويسار، وعداس، ومعنى اكتتب يعني طلب أن يكتب له، لأنه كان لا يكتب، {فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ} يعني تقرأ عليه ليحفظها لا ليكتبها، {بُكْرَةً وَأَصِيلا} غدوة وعشيًا. قال الله عز وجل ردًا عليهم: {قُلْ أَنزلَهُ} يعني القرآن، {الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ} يعني الغيب، {فِي السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا}.

.تفسير الآيات (7- 10):

{وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الأسْوَاقِ لَوْلا أُنزلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا (7) أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنز أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلا رَجُلا مَسْحُورًا (8) انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الأمْثَالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلا (9) تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُورًا (10)}
{وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ} يعنون محمدا صلى الله عليه وسلم، {يَأْكُلُ الطَّعَامَ} كما نأكل نحن، {وَيَمْشِي فِي الأسْوَاقِ} يلتمس المعاش كما نمشي، فلا يجوز أن يمتاز عنَّا بالنبوة، وكانوا يقولون له: لست أنت بمَلَك ولا بملِك، لأنك تأكل والمَلَك لا يأكل، ولست بملِك لأن الملِك لا يتسوق، وأنت تتسوق وتتبذل. وما قالوه فاسد؛ لأن أكله الطعام لكونه آدميًا، ومشيه في الأسواق لتواضعه، وكان ذلك صفة له، وشيءٌ من ذلك لا ينافي النبوة. {لَوْلا أُنزلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ} فيصدقه، {فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا} داعيًا. {أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنز} أي: ينزل عليه كنز من السماء ينفقه، فلا يحتاج إلى التردد والتصرف في طلب المعاش، {أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ} بستان، {يَأْكُلُ مِنْهَا} قرأ حمزة والكسائي: {نأكل} بالنون أي: نأكل نحن منها، {وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلا رَجُلا مَسْحُورًا} مخدوعًا. وقيل: مصروفًا عن الحق. {انْظُرْ} يا محمد، {كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الأمْثَالَ} يعني الأشباه، فقالوا: مسحور، محتاج، وغيره، {فَضَلُّوا} عن الحق، {فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلا} إلى الهدى ومخرجًا عن الضلالة. {تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ} الذي قالوا، أو أفضل من الكنز والبستان الذي ذكروا، وروى عكرمة عن ابن عباس قال: يعني خيرًا من المشي في الأسواق والتماس المعاش. ثم بين ذلك الخير فقال: {جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُورًا} بيوتًا مشيدة، والعرب تسمي كل بيت مشيَّد قصرًا، وقرأ ابن كثير، وابن عامر، وعاصم برواية أبي بكر: {ويجعلُ} برفع اللام، وقرأ الآخرون بجزمها على محل الجزاء في قوله: {إن شاء جعل لك}.
أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن أبي توبة الكشميهني، أخبرنا أبو طاهر محمد بن الحارث، أخبرنا أبو الحسن محمد بن يعقوب الكسائي، أخبرنا عبد الله بن محمود، أخبرنا إبراهيم بن عبد الله الخلال، حدثنا عبد الله بن المبارك، عن يحيى بن أيوب، حدثني عبد الله بن زخر، عن علي بن يزيد، عن القاسم بن أبي عبد الرحمن، عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «عرض علي ربي ليجعل لي بطحاء مكة ذهبا فقلت: لا يا رب، ولكن أشبع يومًا وأجوع يومًا، وقال ثلاثًا أو نحو هذا، فإذا جعت تضرعتُ إليك وذكرتُك، وإذا شبعتُ حمدتُك وشكرتُك».
حدثنا أبو طاهر المُطَهَّرُ بن علي بن عبيد الله الفارسي، أخبرنا أبو ذر محمد بن إبراهيم الصالحاني، أخبرنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن جعفر بن حيان المعروف بأبي الشيخ، أخبرنا أبو يعلى، حدثنا محمد بن بكار، حدثنا أبو معشر عن سعيد يعني المقبري، عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو شئتُ لسارت معي جبال الذهب، جاءني مَلَكٌ إن حُجِزْتَهُ لتساوي الكعبة، فقال: إن ربك يقرأ عليك السلام، ويقول: إن شئتَ نبيًا عبدًا، وإن شئت نبيًا مَلِكًا، فنظرت إلى جبريل فأشار إليَّ أنْ ضَعْ نفسك، فقلت: نبيًا عبدًا» قال: فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك لا يأكل متكئًا يقول: «آكل كما يأكل العبد، وأجلس كما يجلس العبد».

.تفسير الآيات (11- 12):

{بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنَا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيرًا (11) إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا (12)}
قوله عز وجل: {بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ} بالقيامة، {وَأَعْتَدْنَا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيرًا} نارًا مستعرة. {إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ} قال الكلبي والسدي: من مسيرة عام. وقيل: من مسيرة مائة سنة. وقيل: خمسمائة سنة. وثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من كذب علي متعمدا فليتبوأ بين عيني جهنم مقعدا». قالوا: وهل لها من عينين؟ قال: نعم ألم تستمعوا قول الله تعالى: {إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ}.
وقيل إذا رأتهم زبانيتها. {سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا} غليانًا، كالغضبان إذا غَلَى صدره من الغضب. {وَزَفِيرًا} صوتًا. فإن قيل: كيف يسمع التغيظ؟ قيل: معناه رأوا وعلموا أن لها تغيظًا وسمعوا لها زفيرًا، كما قال الشاعر:
ورأيتُ زوجَكِ في الوَغَى ** مُتَقَلِّدًا سَيْفًا ورُمْحًا

أي وحاملا رمحًا. وقيل: سمعوا لها تغيظًا، أي: صوت التغيظ من التلهب والتوقد، قال عبيد بن عمير: تزفر جهنم يوم القيامة زفرة فلا يبقى مَلَك مُقرَّب ولا نبي مرسل إلا خرَّ لوجهه.

.تفسير الآيات (13- 15):

{وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا (13) لا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُورًا وَاحِدًا وَادْعُوا ثُبُورًا كَثِيرًا (14) قُلْ أَذَلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ كَانَتْ لَهُمْ جَزَاءً وَمَصِيرًا (15)}
{وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا} قال ابن عباس: تضيق عليهم كما يضيق الزجُّ. في الرمح، {مُقَرَّنِينَ} مصفدين قد قرنت أيديهم إلى أعناقهم في الأغلال. وقيل: مقرنين مع الشياطين في السلاسل، {دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا} قال ابن عباس: ويلا. وقال الضحاك: هلاكًا، وفي الحديث: «إن أول من يكسى حلة من النار إبليس، فيضعها على حاجبيه ويسحبها من خلفه، وذريتُه من خلفه، وهو يقول: يا ثبوراه، وهم ينادون: يا ثبورهم، حتى يقفوا على النار فينادون: يا ثبوراه، وينادي: يا ثبورهم، فيقال لهم {لا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُورًا وَاحِدًا وَادْعُوا ثُبُورًا كَثِيرًا}» قيل: أي هلاككم أكثر من أن تدعوا مرة واحدة، فادعوا أدعية كثيرة. قوله عز وجل: {قُلْ أَذَلِكَ} يعني الذي ذكرته من صفة النار وأهلها، {خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ كَانَتْ لَهُمْ جَزَاءً} ثوابًا، {وَمَصِيرًا} مرجعًا.

.تفسير الآيات (16- 19):

{لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ خَالِدِينَ كَانَ عَلَى رَبِّكَ وَعْدًا مَسْئُولا (16) وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ (17) قَالُوا سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا (18) فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِمَا تَقُولُونَ فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفًا وَلا نَصْرًا وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا (19)}
{لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ خَالِدِينَ كَانَ عَلَى رَبِّكَ وَعْدًا مَسْئُولا} مطلوبًا، وذلك أن المؤمنين سألوا ربهم في الدنيا حين قالوا: {ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك} [آل عمران- 194]، يقول: كان أعطى الله المؤمنين جنة خلد وعدًا، وعدهم على طاعتهم إياه في الدنيا ومسألتهم إياه ذلك. قال محمد بن كعب القرظي: الطلب من الملائكة للمؤمنين وذلك قولهم: {ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم} [غافر- 8]. {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ} قرأ ابن كثير، وأبو جعفر، ويعقوب، وحفص: {يحشرهم} بالياء، وقرأ الباقون بالنون، {وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ} قال مجاهد: من الملائكة والجن والإنس وعيسى وعزير. وقال عكرمة والضحاك والكلبي: يعني الأصنام، ثم يخاطبهم {فَيَقُولُ} قرأ ابن عامر بالنون والآخرون بالياء، {أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ} أخطأوا الطريق. {قَالُوا سُبْحَانَكَ} نزهوا الله من أن يكون معه إله، {مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ} يعني: ما كان ينبغي لنا أن نوالي أعداءك، بل أنت ولينا من دونهم. وقيل: ما كان لنا أن نأمرهم بعبادتنا ونحن نعبدك. وقرأ أبو جعفر {أن نُتَّخَذَ} بضم النون وفتح الخاء، فتكون {من} الثاني صلة. {وَلَكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآبَاءَهُمْ} في الدنيا بطول العمر والصحة والنعمة، {حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ} تركوا الموعظة والإيمان بالقرآن. وقيل: تركوا ذكرك وغفلوا عنه، {وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا} يعني هلكى غلب عليهم الشقاء والخذلان، رجل يقال له بائر، وقوم بور، وأصله من البوار وهو الكساد والفساد، ومنه بوار السلعة وهو كسادها. وقيل هو اسم مصدر كالزور، يستوي فيه الواحد والاثنان والجمع والمذكر والمؤنث. {فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ} هذا خطاب مع المشركين، أي: كذبكم المعبودون، {بِمَا تَقُولُونَ} إنهم آلهة، {فَمَا تَسْتَطِيعُونَ} قرأ حفص بالتاء يعني العابدين، وقرأ الآخرون بالياء يعني: الآلهة.
{صَرْفًا} يعني: صرفًا من العذاب عن أنفسهم، {وَلا نَصْرًا} يعني: ولا نصر أنفسهم. وقيل: ولا نصركم أيها العابدون من عذاب الله بدفع العذاب عنكم. وقيل: الصرف: الحيلة، ومنه قول العرب: إنه ليصرف، أي: يحتال، {وَمَنْ يَظْلِمْ} يشرك، {مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا}.